الثلاثاء، 18 ديسمبر 2012

قبل المقدمة ومقدمة

قبل المقدمة
                   
  علمتنى الحياة أنه لابد من أن يقرأ القارئ مقدمة الكتاب قبل أن يشرع فى قراءة صفحاته كى يفهم هدف الكتاب و مايقصده المؤلف








مقدمة
    قد يبدو غريباً كل الغرابة أن يكتب شاب فى مقتبل عمره كتاباً باسم " علمتنى الحياة " لكنى سأسرد فيما يلى الأسباب التى جعلتنى أكتب هذا الكتاب .
    لقد ربتنى أمى مثلما ربت إخوتى على الخير فقط ولم تعلمنا ذرة شر آملة بذلك أن تنشىء أبناء صالحين أتقياء ؛ فقد كان هدفها نبيلاً لكن وسيلتها كانت خاطئة كل الخطأ فلابد من أن يتعلم كل إنسان الشر بجوار الخير لسببين أولهما معرفة الشر ومن ثم عدم فعله وتوضيح الفارق بين الخير والشر وعاقبة كل منهما ؛"فإنما يعرف الشىء بضده" وثانيهما هو القدرة على فعل الشر عند الضرورة ،و قال تعالى :" وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ "(الأنفال60) ويقول أحمد شوقى فى هذا الشأن :
 " الحرب فى حق لديك شريعة    ومن السموم الناقعات دواء" وقد كانت النتيجة أن تعلمنا أنا وأخوتى الشر خارج المنزل من خلال حياتنا وتعاملنا مع الناس بعد دفع ثمن ذلك غاليا ؛ فقد صدق القول:" التجربة خير معلم لكن تكاليف التعليم باهظة " ، و"لم تدع الأيام جاهلاً إلا أدبته ".
    وعندما دخلت الجامعة كان طبيعياً أن أخرج إلى حقيقة العالم الذى أعيش فيه وأن تعلمنى الحياة ما لم أتعلمه فى بيتى، ونظراً لشدة وطأة الحوادث التى مرت بى فى العام الأول لى بالجامعة كان رد فعلى زائداً عن الحد فبدلاً من أن أصبح حريصاً على مالى أصبحت بخيلاً وأصبحت لا أثق فى أى شخص مهما كان ومهما كانت الظروف وتبدلت الأحوال ووضعت الحواجز والسدود حول قلبى كى لا أحنو و لا أعطف على أحد و لا أحب أحدا و لا أثق فى أحد واعتزلت الناس وأنا سعيد ببعدى عنهم وكنت أتعامل معهم فى الرسميات فقط ولم أك أسعى للكلام معهم أو تكوين علاقات معهم ، و كرهت كل شىء فى الدنيا و لم أعد أتذوق الجمال مثلما كنت سابقا، ثم بعدما مرت مرحلة الانفعال والذهول و حصلت على الخبرة الكافية أصبحت معتدلا فى تصرفاتى وجهات نظرى.
    حينما فكرت فى كتابة هذا الكتاب تذكرت أن كل الناس يعرفون جيداً كل كلمة سأكتبها وكلهم يطبقون هذا الكلام خير تطبيق وإن كانوا لا يظهرونه على ألسنتهم ولكنى صممت على أن أكتبه كى يستفيد به من لم يتعلم الحياة جيداً فى بيته مثلى وطبعاً هذا الشخص لن يشعر به أحد مثلى وسيخرج كلامى من قلبى فيصل إلى قلبه .
    عندما أخبرت أختى بأنى سأكتب هذا الكتاب قالت لى : " إن حظك كان سيئاً لأنك تعاملت مع أكثر الناس سوءاً ولن يمكن اعتبار اعتقاداتك قواعد عامة لأنها ستكون كلها تشاؤم وتعقيد ، والخير ما زال موجوداً فى الدنيا وإن كان ضئيلاً لا يظهر من كثرة الشر ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ولا يزال من أمتي أمة يقاتلون على الحق ويزيغ الله قلوب أقوام ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة "(رواه الألبانى فى السلسلة الصحيحة).، فشكرت أختى أخبرتها بأن هدفى من هذا الكتاب هو الحرص لا التعقيد والتشاؤم فإن هدفى أن أعلم من لا يعلم- وسبق أن ذكرت أن قليلاً جدا جداً من لا يعلم ما سأكتبه- الطريق الصحيح الذى يجب أن يسير فيه ؛ فالسير فى الطريق الصحيح أمر سهل لكن الصعب هو اكتشاف هذا الطريق .
    وإنى والحمد لله أحرص على الواقعية والشفافية والصراحة فى جميع كتاباتى ، ولم أكتب كلمة فى هذا الكتاب رجماً بالغيب وإنما عن تجربة وقد دللت على كثير من الدروس الواردة فى هذا الكتاب بالأحداث والتجارب التى خضتها ولكن هناك أشياء لا يمكن للإنسان أن يتعلمها إلا بالتجربة لا بالقراءة ولا بالتلقين ؛ فلا تنزعج ولا تعذب نفسك عندما تخسر الجولة الأولى فى بعض أمور حياتك فإنها تكاليف التعليم بالتجربة وهو أفضل أنواع التعليم و كم من مفاهيم تعلمتها بالقراءة و السمع و المشاهدة وتغيرت أفكارى عنها كل التغير بعد تجربتها ، وتذكر الموقف التالى :-
    سئل نابليون : كيف استطعت أن تولد هذه الثقة الكبيرة فى جيشك ؟ فأجاب : كنت أرد بثلاث على ثلاث ؛ فمن كان يقول لا أقدر كنت أقول له : حاول ، ومن كان يقول: لا أعرف كنت أقدر له : تعلم ، ومن كان يقول : مستحيل كنت أقول له جرب .
حين كتبت هذا الكتاب كان هدفى ألا يقع أى شخص فيما وقعت فيه من أخطاء وقد كان لى صديق أصغر منى بعامين كنت بمثابة معلم له أدرس له فى كل لقاء لى معه درساً علمتنيه الحياة لكنى استنتجت من ذلك أن التلقين ليس كافياً للتعليم حتى وإن اقترن بضرب أمثلة لا حصر لها ؛فإن هذا الصديق لم يك يقتنع بشىء مما أخبره به مهما ضربت له أمثلة مؤكدة ولكنه عندما كان يخالف نصائحى ويخسر الكثير كان يتعلم الدرس جيداً من خسارته فاستنتجت من ذلك أن أحدا لا يتعلم مجانا ؛فلابد من دفع خسائر وخوض تجارب خاسرة للتعلم ، ويقول العقاد:"التجارب لا تقرأ فى الكتب ولكن الكتب تساعد على الانتفاع بالتجارب "ويقول آخر:"التجربة خير معلم لكن تكاليف التعليم باهظة ".
لكن هناك أشياء لا تحتمل التجربة كاللعب بالنار مثلاً ولابد من تعلمها بالتلقين .

وفقنا الله وإياكم للإمام دائما ًً
                                                            محمود عبد القادر 
الموقع على الإنترنت www.mahmkd.net.ms

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق